الدول المصدرة للغاز والأهمية المستقبلية للغاز كمصدر للطاقة

الدول المصدرة للغاز "كارتل الغاز"أو ما يحبذ البعض تسميته بـ"ترويكا الغاز" و الأهمية المستقبلية للغاز كمصدر للطاقة.
الحقيقة أن أسواق الغاز وتسعيره وتهيئة المناخ الإيجابي فى التعامل بين الدول المنتجة والمصدرة من جهة والدول المستهلكة من جهة أخرى، وكذلك دول العبور التى يمر الغاز عبر أراضيها أو مياهها الاقليمية وأمن واستقرار تزويدات الطاقة، كل ذلك ضمن اهتمام منظمة البلدان المصدرة للغاز "كارتل الغاز" والذي ستكون له مهمة إعادة رسم العلاقة الاستراتجية الدولية بالقرن الجديد والمحتمل أن تكون هذه الخطوة أحد إفرازات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة والتي من إيجابياتها غير المتوقعة إعطاء دول الكارتل فرصة لمراجعة سيناريوهات تأسيس المنظمة وكذلك مواجهة أي مؤشرات لأي تحديات محتملة.
إن من المستهدفات المستقبلية للدول المنتجة للغاز هو أن تعمل على بذل المزيد من الجهد لتحقيق الإستراتيجية المرجوة لصناعة الغاز والتي لا يمكن الوصول إليها دون وضع برنامج عمل على مستوى دول الكارتل للتغلب على الصعاب التعاقدية والعوامل المرتبطة بها من الناحية التسويقية والتكنولوجية والاقتصادية من حيث خفض تكاليف الإنتاج وزيادة الإنتاجية وتطوير عمليات نقل الغاز.
إن من أخطر المشاكل التي ستواجه الكارتل هي الأسعار، والحقيقة أن خطورة الأسعار وحساسيتها تعتبر مشكل للثلاثي المنتج والمستورد ومؤسسات التمويل الدولية لمشروعات الغاز حيث تدني الأسعار إلى الحد الأدنى وعدم الاستمرار في عمليات البيع قد يؤدى الى مخاطر اقتصادية على الدول المنتجة والمستثمرين على السواء كمصدرين للغاز وفي نفس الوقت تبحث الدول المستوردة إلى تأمين ضمانات تزويدات الغاز الطبيعي لمستهلكيها.
إن الانخفاض الملحوظ في أسعار الغاز يفترض إرتباطه بأسعار النفط ولكن الإرتفاع الذي شهدته الأخيرة لم يقابله أي إرتفاع بالأولى حيث نتج عن ذلك أن سعر الوحدة الحرارية من الغاز أصبح أقل بكثير من سعر مثيلتها من النفط، مما اثار القلق لدى الدول المنتجة والتي لم تتضح لها صورة السوق بعد بسبب عدم الترابط بين اسعار الغاز واسعار النفط والتفاوت الحاصل بينهما مما ينذر بناقوس أزمة أسعار وعليه لابد من رسم تصور لمعالم سوق الطاقة " نفط وغاز" المستقبلية من خلال الإستفادة من خبرة تراكمية لما يقارب من نصف قرن للاوبك. وقد أثبتت التجربة بأن نقل الغاز عبر الناقلات تمتاز عن عملية نقله عبر الأنابيب، حيث تحيط بعض المخاطر التعاقدية والتجارية كذلك السياسية بعملية نقل الغاز بواسطة الأنابيب والتى يمكن تلخيصها فى يلي:
• صعوبة عملية نقل الغاز بالأنابيب في المناطق الجبلية والمناطق البحرية العميقة مما يترتب عليها زيادة فى التكاليف.
• الإرتفاع المتزايد فى الإتاوات و تعريفة المرور المفروضة في الأقاليم والدول التي تمر بها أنابيب الغاز.
• هشاشة الموقف التفاوضي للبلد المصدر في حالة بروز أي مشاكل تعاقدية مع البلد المستورد عند إرتفاع أو انخفاض الأسعار.
• المخاطر السياسية والاقتصادية المترتبة على البلد المنتج فى حالة حدوث اضطرابات أو قلاقل سياسية بالمناطق التي تمر بها الأنابيب أو البلد المستورد.
• المخاطرة المترتبة على البلد المنتج بإلزامه بعلاقة غير مرنة مع البلد المستورد ومرتبطة بالعلاقات السياسية.
• استحداث تشريعات وقوانين داخلية للبلد المستورد تخص طبيعة صناعة الغاز يقلل من اقتصاديات الأنابيب ويزيد من مخاطرها.
• تنامي حجم الاستهلاك المحلي لدول العبور يدفع بحكومات هذه الدول إلى طلب تخصيص نسبة معينة أو أكثر من الغاز المنقول عبر أراضيها، وهذا بدوره يؤثر على التزامات المشتري أو الدولة المستهلكة مع زبائنها.
فمن الناحية التعاقدية هنالك اختلاف بين نقل الغاز بالناقلات عنه عبر الأنابيب حيث أن الأولى يتم خلالها النقل على شكل شحنات لفترات متفاوتة وذلك على عكس الأنابيب وفي هذه الحالة يتم احتساب عملية الدفع باحتساب ثمن الغاز المستلم عن طريق الناقلات "الاستلام والدفع" حسب عدد الشحنات المنقولة خلال فترة زمنية معينة ومحددة وعادة تتراوح ما بين 12 إلى 40 شهرا.

 

عقود الغاز والمخاطر المرتبطة بها "أسعار الغاز"
لعقود الغاز سمات وشروط تعاقدية مختلفة عن الأنماط المستخدمة في صناعة النفط بالرغم من أن هذه العقود تحمل نفس المسميات وتعتبر أسعار الغاز هي المحرك الرئيسي لاستثمارات الغاز وديناميكية عقوده.
يشكل عنصري المخاطرة و الشك عنصرين رئيسين لعقود الغاز بصفة عامة والعقود ذات الأجل الطويل بصفة خاصة حيث يتحمل المنتج والمستهلك كلا منهما جانبا من المخاطرة وبالتالى يتحمل المنتج كافة المخاطر والشكوك المرتبطة بالأسعار "Price Risk" وفي نفس الوقت يتحمل المستورد المخاطر والشكوك المرتبطة بالسوق "Volume Risk".
وكما اسلفنا نجد أن سعر الغاز يلعب دورا رئيسيا بتحديد أنماط هذه العقود حيث يتضمن معظمها بنودا رئيسية تخص تعديل الأسعار وذلك بتحمل المنتج للمخاطرة وتنص العقود الطويلة الأجل بوضوح على إمكانية إدخال تعديلات في الأسعار على فترات زمنية حيث عدم التوصل لإتفاق على الأسعار ما بين الدول المنتجة والمستهلكة أو المستثمرين يترتب عليه إجراءات قانونية ومحاكم دولية تعتبر مكلفة ماليا للدول المنتجة وغير مجدية من ناحية الوقت.
يحدد سعر الغاز في أغلب الأحيان بين الأطراف المتعاقدة بالدولار الأمريكي و على أساس الوحدة الحرارية البريطانية Btu "British Thermal Units"أو وحدة صحيحة أي بالأمتار أو الأقدام المكعبة ويعبر عن القيمة الفعلية للغاز بالوحدة الحرارية البريطانية وهي مساوية تقريبا لـ 252 سعرة حرارية أوالمعدل الذي يحتاج إليه لرفع درجة حرارة مقدار رطل إنجليزي من الماء الى درجة واحدة فهرنهايت.
عادة ما تستهلك الدول المنتجة الغاز المصاحب محلياً بينما معظم إنتاج الغاز المصدر غازا حرا والذى تختلف تسعيرته كثيرا عن الغاز المستهلك داخليا ويسعر دولياً حسب مناطق الاستهلاك ولذا يوجد نوعين من أسعار الغاز وهما أسعار محلية ودولية.
فالأسعار المحلية هي أسعار الغاز المستهلك داخل الدولة المنتجة وتختلف هذه الأسعار بين البلدان المنتجة له وذلك حسب الظروف الإقتصادية للبلاد ومدى إنفتاحها على المنظومة التجارية والإقتصادية الدولية وإلتزامها بقوانينها فيما يخص الدعم وبصورة عامة ومن البديهي أن نجد أن أسعار الغاز المستهلك محليا اقل بدرجة كبيرة عن أسعار الغاز المصدر خارجيا.
إن أغلب آليات تسعير الغاز الطبيعي المعمول بها مرتبطة بأسعار النفط الخام والمنتجات النفطية والتي أسعارها دائمة التذبذب الحاد من ناحية الهبوط والارتفاع. غير أن معطيات السوق الأخيرة قد أثبتت العكس بعد الانخفاض الملحوظ في أسعارالغاز حيث أن الارتفاع الذي شهدته الأولى خلال الفترة الزمنية القلية الماضية لم يقابله أي إرتفاع في أسعار الغاز ونتج عن ذلك أن سعر الوحدة الحرارية للغاز أصبحت أقل بفارق كبير عن مثيلتها من النفط المرتفعة مما أدى الى مناداة معظم الدول المنتجة بربط سعر الغاز بسعر النفط لتحقيق التوازن بينهما.
توجد هنالك عدة طرق متعامل بها بالسوق لتسعيرة الغاز فعلى سبيل المثال يسعر الغاز القطري في أسواقه المختلفة إما عن طريق الربط بأسعار النفط الخام في السوق الياباني أو الربط بأسعار الغاز الفورية بالأسواق البريطانية أو في مركز هنري بالسوق الأمريكي وكذلك ربطه بأسعار الغاز الفورية في مركز زيوريخ بالسوق البلجيكية وعموما يسعر في أغلب الدول الأوروبية عن طريق ربطه بزيت الوقود ويسعر فى السوق الهندي بأن يضل السعر ثابتا لفترة الخمس سنوات الأولى وذلك بما تنص عليه عقود البيع.
ومن الأمثلة الأخرى على تسعيرة الغاز بالسوق العالمي هي التسعيرة المتعامل بها من قبل شركة "غاز يوني" الهولندية حيث تعاملت هذه الشركة مع زبائنها عن طريق خلق عدة آليات للتسعيرة حتى يتمكن الزبائن من التعامل بأكثر مرونة مع السوق وتلبية متطلباتهم الحجمية والمالية.
ففي هذه الطريقة التسعيرية يتم ربط سعر الغاز بسعر النفط الخام لفترة زمنية تتراوح ما بين السنة والخمس سنوات وتستخدم كبداية ويتم احيانا ربط تسعيرة الغاز بسعر زيت الوقود مع تحديد سقف أدنى للسعر لمدة زمنية تتراوح ما بين السنة كحد أدنى وثلاث سنوات كحد أقصى، وتقوم الشركة الهولندية كذلك بربط أسعار الغاز بأسعار الفحم والنفط بنسبة 50% لكل منهما ولمدة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات وأخيرا ومن ضمن الطرق المستعملة للتسعير هي تحديد سعر ثابت للغاز لمدة زمنية تقدر بسنة واحدة.
ومن أهم الصفات المرتبطة بعقود الغاز المصدر خارجياً هى أن يقوم المستثمر أو الدولة المنتجة بالشروع في البحث عن أسواق الإستهلاك قبل المباشرة في إستثماره ليضمن المستثمر وتضمن الدولة المنتجة عقود طويلة الأجل للبيع والشراء لتصل مدة هذه العقود في حالة الغاز المنقول عبر الأنابيب إلى أكثر من عقدين من الزمن أو أكثر.
على سبيل المثال، استخدمت النرويج والمملكة المتحدة خلال عقد الثمانينات أحد الأنماط التعاقدية والتى تعرف بعقود الاستنزاف "Depletion Contract" أي أن يتم التعاقد على بيع كافة الكميات التجارية المتاحة من المخزون الغازي للحقل المعني وهذا يعني أن مدة العقد أو الإتفاقية مرتبطة بعمر الحقل الإفتراضي

تاريخيا كانت أغلب المشروعات الغازية تدار بشكل رأسي "Vertical" أي تتكفل الشركة المستثمرة بكافة مراحل التشغيل ابتداء من الإنتاج وإنتهاء بالتصدير على هيئة منتوج غازي واصل إلى نقطة الشراء "CIF"المتفق عليها مسبقا بينما يقوم المستلم بإنشاء وتجهيز محطات إعادة الغاز "التغويز" إلى حالته الطبيعية لذا نجد هنا مدى التشابه من الناحية التعاقدية ما بين الغاز المنقول بالناقلات والأنابيب في مبدأ أو شرط الاستلام أو الدفع"Take or Pay" .
أي نجد أن بعض العقود تلزم الجهة المستوردة بمبدأ الاستلام أو الدفع لتؤمن شراء قيمة حد أدنى من الغاز المنقول تصل في بعض الحالات إلى ما فوق 75% من الكمية الإجمالية للعقد، ويعتبر المستثمر ملزم بها سواء كان لديه مستهلكين بحاجة إليها لتصريفها أو لا يوجد.
ومما زاد الأمر سوءاً هو إن ديناميكية أسواق الغاز غاية في التعقيد كونها تعمل فى أغلب الأحيان على أساس عقود التزويد طويلة المدى وكذلك العقود الآنية والآجلة، حيث أن من أهم مضامين الشروط التعاقدية للعقود طويلة المدى هي تحديد سقف أدنى وأقصى لكميات الغاز المصدرة للمستهلك، ونجد دائما أن المستهلكين يتجهون إلى شراء السقف الأدنى المشار إليه بالعقود وشراء الحجم المتبقي من احتياجاتهم من السوق الآنية الذي تكون فيه الأسعار أقل كنتيجة لتجاوز كميات الغاز المعروضة للطلب عليه.
وهنا نجد أن احد أسباب ظاهرة توفر الكميات المعروضة وقلة السعر بالسوق هي أن بعض المستوردين غير ملتزمين بشروط عقودهم طويلة المدى مما يجبر الدول المنتجة أن تتجه بالإنتاج الفائض لديها من العقود طويلة الأمد إلى الأسواق الآنية(Spot market) وهذا بدوره يرفع من نسبة الغاز المعروض في السوق، وهذه الخطوة أحد العوامل الرئيسية التي تؤكد على تراجع أسعار الغاز على الرغم من ارتفاع أسعار النفط بالأسواق في نفس الوقت.
ونتيجة لإفرازات السوق الحالية، وضعت الدول المنتجة على المحك حيث أصبحت عقود تصدير الغاز الطبيعي على المدى الطويل للدول المنتجة تبرز مخاطر تعاقدية معقدة لأن المشترين والمستهلكين على حد سواء لا يرغبون في الالتزام بهذا على المدى الطويل معتبرين أن العقود الطويلة تحدد مستويات أسعار ملزمين بها بينما المتاح حاليا بالسوق عكس ذلك حيث أن الكميات المتاحة والأسعار أقل من تلك المحددة في عقود طويلة المدى.
إن التغيرات الجذرية التي شهدتها أسواق الغاز خلال الفترة الماضية أدت إلى تدني عائدات الدول المنتجة نتيجة لإنخفاض اسعاره بالسوق قد افضت الى زيادة الدول والمستثمرين لحجم إنتاجها من الغاز المصدر وذلك للحفاظ على مستوى عائداتهم وتحسين اقتصاديات مشاريعهم.
ونرى أن هذه الزيادة أدت إلى بروز ظاهرة جديدة وهي منافسة "غاز– غاز" "Gas-Gas Competition" وهذا بدوره أكد على تراجع أعمق لأسعار الغاز في أسواق العقود الآنية والآجلة التي انحدرت إلى مستويات كبيرة مما نتج عنها مخاطر أصبحت تهدد مستقبل العقود طويلة الأمد لتصدير الغاز. ولهذا نجد أن فلسفة السوق الحالية أصبحت مؤشرا للدول المنتجة وبمجرد إلزام نفسها بعقد طويل الأمد تصبح تصنف بالطرف الخاسر.
ولذا تتجه بعض دول الكارتل الى العمل بقوة إلى تبني نمط جديد من العقود القصيرة نسبيا والتى تتراوح مابين الثلاثة وخمس سنوات وهذا بدوره يضع المنتج في وضع اقتصادي أفضل فإذا أراد المستهلك الغاز عليه أن يدفع تسعيرة أفضل لتتماشى مع القيمة الحقيقية لهذه السلعة أو بمجرد إنتهاء المدة الزمنية للعقد تتجه الدول المنتجة إلى من يدفع أكثر من المشترين والحقيقة أن هذه الخطوة فى حال تنفيذها تعمل على تقصير عمر العقود طويلة المدى وهو عمل يحمل في طياته صيغة إقتصادية لتقليل المخاطر والشكوك الحالية بالسوق.

2016© GPC. All Rights Reserved.